ذات يوم سألت الفنان البوسنى منيب
أوبرادوفيتش أثناء حوارى معه لمجلة البيت بالأهرام كيف وصلت الى هذه المكانة
العالمية فى الفن من خلال لوحاتك التى
تستخدم فيها الخط العربى فى حين أنك لاتتحدث العربية ولا تكتبها ؟! فأجاب لأن الخط العربى لغة عالمية تتسلل بإنسيابية
إلى النفس وتفعل بها الكثير بروحانيتها وسموها مهما اختلفت اللغات والتقافات أو
حتى العقيدة ! ،والأن وسط كل هذه الأحداث الإرهابية المتلاحقة فى مصر والعالم يأتى
الخط العربى فى أعمال فنية جديدة بعضها يحتفظ بشكله الكلاسيكى وبعضها الآخر يطل
علينا بأسلوب فنى حداثى ، لكنه يبقى حاملا رسالة سلام،ومجسدا لغة حوار بين الثقافة
الاسلامية العربية وسائر الثقافات،مؤكدا الحضور القوى والتأثير الطاغى للفن فى
النفوس خاصة حين يكون فنا عربيا أصيلا،
وثيق الصلة بالحضارة الإسلامية التى تدعوفى جوهرها إلى الحب والتعايش فى سلام ....اليوم
فى " المصرى اليوم"
خطوط عربية تتحدث بدلال
يحمل الخط العربى رسالة سلام، ويجسد
لغة حوار بين الثقافة الاسلامية العربية و سائر الثقافات ، فمن خلال مايبرع فيه الفنان العربى من تصاميم وألوان وأنواع
وزخارف حين يوظف الخط العربى فى أعمال فنية يستطيع أن يعبر الحدود ليجذب أيضا
المتلقين والفنانين من الثقافات الأخرى الذين ينبهرون بروعة تكويناته وروحانية خطوطه وسمو تفاصيله،
التى تنتقل هم وبنا إلى عوالم من الرقى والهدوء النفسى، بعيدا عن العنف والإرهاب،
مؤكدة الحضور القوى والتأثير الطاغى للفن فى النفوس خاصة حين يكون فنا عربيا أصيلا، وثيق الصلة بالحضارة الإسلامية التى
تدعوفى الأصل إلى الحب والتعايش فى سلام
.
ومن أكثر ما يدل على خصوصية الخط
العربى وأن ثمة سحر ما خاص ومتفرد يحمله بين طياته، أنه حتى حين يتم إبداع أعمال
فنية باستخدامه بعيدا عن الأغراض الدينية ، فإنه يبقى محتفظا بروحانيته و روحه
السمحة ، تماما مثلما يأخذ بألباب المتلقين الذين لا يجيدون اللغة العربية ولا
يدركون المعانى التى يرمى إليها ، وكأنه
كيانا متكاملا ومستقلا عن اللغة نفسها ، وهو السبب نفسه الذى جعله يحتفظ بالطاقة
الروحانية العظيمة، حتى حين يتم استخدامه بأساليب فنية تتميز بالحداثة فى تصاميمها وألوانها .فكانه
بحق خلال مساره الطويل بمثابة انعكاس للهوية العربية بطبيعتها وروحها وتطورها
.
ولعل فى حوارى مع الفنان منيب
اوبرادوفيتش من البوسنة ما يلقى الضوء على الكثير مما يحمله الخط من أسرارحيث
بادرنى قائلا حين سألته عن حكايته مع هذا الفن
"كثير من فنانى الخط فى
العالم لا يعرفون اللغة العربية من الأصل ، لكنهم يعشقونه! فما يعجبهم فيه هو نفسه
ما يستهوينى إليه، وهو جماله الآخاذ ودلال حروفه وروحانية تكوينه، وذلك ما اكتشفته
فيه حين كنت أرقب الآيات القرآنية المكتوبة على جدران المساجد البوسنية التي سجلها
خطاطون أتراك في عقود ماضية ،ولا تزال آثارها باقية ،ثم أمدنى شيخ بوسني بكتب عن فن الخط ،فأصبحت عاشقا له وبخاصة خط الثلث
الجلي الذي أراه الأجمل بين الخطوط لسهولة
قراءته"
ويعد الفنان المصرى العالمى أحمد مصطفى
أحد أشهر الفنانين المبدعين فى الخط العربى ،والذى يبرع فى تقديم تكوينات مجردة
تستند فى معظمها إلى آيات القرآن الكريم، من خلال لغة بصرية شديدة الثراء
يجمع فيها عبر أسلوب فنى مبتكر بين مهاراته كمصور وكفنان للخط مستعينا فى كثير من الأحيان بالأشكال الهندسية
بالغة التداخل والتشابك ، حتى ليشعر المتلقى بأنه يقدم له مخزونا مكثفا من الحروف
العربية . وانكب على دراسة فن الخط العربى
حتى حصل عام 1989 على درجة الدكتوراه من المجلس القومى البريطانى للدرجات
الأكاديمية عن دراسته التى تحمل عنوان "الأساس
العلمي لأشكال الحروف العربية" والتى ساهمت فى الكشف بدقة عن الشبكة الهندسية
التى يقوم عليها "الخط المنسوب" الذى وضعه الوزير الكاتب ابن مقلة فى
القرن الـ19 ، ومن المعروف أن المعايير التى حددها ابن مقلة لكتابة أشكال الحروف
العربية متّبعة إلى يومنا هذا.
وتأتى أعمال الفنان التشكيلي
العراقى حسن المسعود من أبرز التجارب الفنية فى الخط العربى لما قدمه لنا من لوحات تحملا
رؤى متنوعة بما تحمله من أشكال مختلفة ما
بين الأصيلة، والحروفية، والحديثة، ولا يقل أهمية عن ذلك دوره المؤثر فى الترسيخ
لفكرة أن يصبح الخط لغة للتحاور بين الحضارتين العربية والغربية ، حيث أن المسعود
هو مبدع " الخط العربي" الصادر باللغتين العربية والفرنسية. عن دار نشر
فلاماريون بباريس عام 1981 ليمثل مرجعا
مهما فى المكتبة الغربية فى ذلك المجال ، كما أنه صاحب تجربة رسم الخط أمام
الجمهور لسنوات ، الأمر الذى جذب الكثيرين من أوروبا إليه .ثم إلى العالمية من
خلال عروض استخدمت الخط مع أحدى الفرق الفنية
الكلاسيكية العالمية .
ولاشك أن هناك تجارب مغايرة تثير
الإعجاب وتتماهى مع العصر ومن أبرزها تجربة
الدكتور أشرف رضا بتجريديته
المصرية الخالصة المولعة بموروثنا الشعبي،
ومن هنا يأتى أسلوبه فى استخدام الخط بشكل
فلكلورى شديد الحصوصية والروعة .وتجربة
الفنان الأردنى صلاج شاهين الذى يجيد
المزج بين الفن التشكيلي والخط العربي بتقنيات غاية فى الحداثة والتجديد وتطويع
وتداخل للحروف شديد الإنسيابية .
ويدهشك الفنان السورى خالد الرز بقدرته
المبهرة على استخدام الحروف فى أعماله ، وتشعر كما لو كانت جسدا شديد الليونة
والدلال ، فى لوحات تشغى بالتفاصيل إلى حد مذهل ، يزيد من روعتها براعته الفائقة
فى اختيار الألوان وتوظيفها على سطح اللوحة بجرأة ، وهو يعتبر كل لوحة بمثابة
حكاية عشق جديد ، تجمع بين البعدين الصوفى والروحانى فى عمل تشكيلى معاصر يبتعد كثيرا
عن المخزون التقليدى للحرف فى الفنون الإسلامية ، لينجح فى تقديمه بثقة إلى
الثقافات والحضارات الأخرى ، جاذبا
المتلقى وتاركا داخله إحساسا عميقا
بالجمال والسلام الداخلى والتأمل بصرف
النظر عن لغته، ثقافته ، أو عقيدته وكأنه
حين يفعل ذلك إنما يقدم للإنسانية لغة جديدة
تمزج بين قيم ومعان سامية مثل
التسامح والتحاور والجمال والسلام.
تقدمة أ.مازن عرابي
نُشِرَت في صحيفة الإهرام
ناديا عبدالحليم
*وديع عطفة*
فنتشكيليfantashkili
تعليقات
إرسال تعليق