لاريسا طريفي
تحولات اللوحة والمرأة والأحلام الشرقية.
اتجهت الفنانة التشكيلية المغتربة لاريسا طريفي في بداية انطلاقتها بمعرضها الفردي الأول، الذي اقامته في صالة " ناي كافيه " في اللاذقية، نحو مظهراختصار واختزال العناصر والمجموعات الانسانية ، لدرجة محو كل تفاصيلها وتغييب ملامحها والإبقاء فقط على اشاراتها او ظلالها الدالة عليها، في فضاء اللوحة التجريدي ، وجاءت خطوتها التشكيلية العفوية والتلقائية بعد مرورها بمرحلة واقعية دقيقة ، جسدت فيها بالألوان الزيتية عناصرالأشكال وخاصة الصامتة، حيث كانت ترسم اللوحة بدقة وجلد وتأني ووقت وصبرطويل .
ومن الناحية التشكيلية بدت لوحات معرضها الأول قادمة من انطباعات رؤية أو تأملات حركة العناصر والمشاهد والأشكال الإنسانية ، وضمن رؤية فنية حديثة ، دمجت ما بين التعبيرية والتجريدية، في خطوات تغييب الأشكال، كما اتجهت لابراز تداخلات لونية بدرجات مختلفة في تحولاتها نحو أجواء التشكيل التجريدي الغنائي، القادم من طريقة تحريك اللون واظهار الضربات المتتابعة والمتجاورة ،والتي اتبعت اشارات العناصروظلالها وشاعريتها، واكدت حيوية انفتاحها على جمالية اللوحة الفنية الحديثة، في تنويعاتها التعبيرية المتقاربة والمتداخلة مع الغنائية البصرية التجريدية .
هكذا اطلت لاريسا في خطوة معرضها الأول، لإظهار كثافة الملمحين التعبيري والتجريدي، وابراز تأثيراتهما على تحولات وتبدلات وانقلابات ثقافة فنون العصر، وكانت تعمل في تلك المرحلة على تحويل اللوحة في احيان كثيرة، إلى ايقاعات شاعرية وغنائية وصولاً إلى التجريد اللوني، وهذه الطرق التعبيرية المتحررة من قيود الرسم الواقعي، جعلت العناصر والأشكال تتجه لإبراز تداعيات الحالة الداخلية ، وهذا الهاجس ابعدها مسافات عن الحس التزييني، وجعل عين المشاهد تقع على بنى تشكيلية حديثة تعطي إيهامات بصرية بحضور الاشكال الانسانية رغم غيابها ، ولقد تدرجت اللوحة في اقترابها وابتعادها عن المشهد الواقعي، من خلال تقنية وضع لمسات الوان الاكريليك ، وبعبارة أخرى أعطت المشاهد انطباعاً بقدرتها على تقديم لوحة فنية حديثة ، في إيقاعاتها البصرية المتدرجة في تقديم الجماعات الانسانية بين الوضوح والغياب .
وقصة لاريسا مع الفن بدأت منذ أيام حداثتها، كونها ولدت في اسرة لها اهتمامات ثقافية وفنية ، فاسرتها التي تجمع بين ثقافتين لعبت دوراً في تفتح وعيها على حب الفن، واحساسها الروحي بكل الأشياء الجميلة التي تقع في دائرة حياتها . ولقد قالت لي في جلسة حوار ثقافي أجريته معها اثر قدومها من المانيا في صيف 2014، انها عرضت بعض لوحاتها الجديدة في مدينة "هان لبيرغ " وبأنها في مطلع حداثتها تمنت بأن تصبح عازفة بيانو، لكن ميولها الفنية الى الرسم، جعلتها تتجه الى عالم الاشكال والخطوط والألوان . وفي لوحاتها السابقة والجديدة تبرزعلاقتها المباشرة بجمالية إضفاء تهشيرات قلمية على سطح اللوحة المرسومة بالاكريليك ، في حالات تجسيد تداعيات الحلم المفتوح في لوحاتها الأحدث على عناصر المرأة والقطة والأشكال النباتية المنزلية، التي تبدو كأنها قادمة من فسحات البيوت السورية القديمة أو من فسحات نوافذها ومداخلها وشرفاتها الزاخرة بالحكايات الشعبية والمكشوفة على فسحة السماء والضوء والهواء الطلق من الداخل والخارج معاً.
ولوحات لاريسا الجديدة التي أنجزتها في أقامتها الالمانية ، تتمحور حول أحلامها الشرقية المستعادة والمقروءة في لمسات خطوطها وألوانها العفوية ، التي تجسد فيها المرأة بطريقة مغايرة، تكسر فيها النسب المتبعة في الرسم الواقعي بطريقة تحريفية محببة لدى الصغار والكبار معاً ( يبدو فيها الوجه والعيون بصورة كبيرة وهذا له دلالات اجتماعية مرتبطة – على حد قولها - بواقع المرأة العربية وبأحلامها وطموحاتها ومعاناتها ) وتطل أحلام طفولتها المستعادة في لوحاتها الجديدة كحالة وجدانية مفعمة بالأحاسيس الإنسانية العميقة، كما تبرز مواضيع الأمومة والبيوت والقطط والورود والزهور والنحلة واشارات الطبيعة والمظلة وغيرها، وهذه العناصر لها ارتباطاتها الرمزية بالقصة أو بالفكرة التي ترافق ولادة اللوحة . وهنا تتجاوز أسلوب الرسم بلمسة واقعية وتسجيلية ،وتصل إلى حدود استخدام اللمسات والضربات والحركات المدروسة والموضوعة على سطح اللوحة بعناية مركزة ،وصولاً إلى استخدام لمساتها النهائية بأقلام التلوين، وذلك لإضفاء المزيد من الشاعرية في فراغ السطح التصويري .
بقلم الناقد أديب مخزوم.
فنتشكيليfantashkili.
تعليقات
إرسال تعليق